فلسطين: الضحية بريئة.. والمتهم يدعي الشرف!
عائلة تبكي ضحايا جرائم الشرف الضحية والقاتل
على هاتف ابنته المحمول شاهد صورة فوتوغرافية لشاب فاستشاط غضبا وثار جنونا. وقرر من أعمق أعماقه أن يغسل العار. فأقدم على قتلها دون سابق رحمة أو إنذار. ليكتشف بعدها أن صاحب الصورة لم يكن سوى فنان أجنبي!!.
قصة لم تحدث في أروقة السينما والأفلام ولا جاد بها الخيال بل جسدت واقعا مريرا تحياه المرأة في فلسطين حيث القتل باسم الشرف.
ورغم أن فلسطين كباقي الدول العربية تعاني من هذه الظاهرة فإن الأمر يختلف؛ فمعظم الشواهد الفعلية والروايات تؤكد أن كثيرا من الجرائم كانت فيها الضحية بريئة وأنها لم تمس أو تخدش ما قتلت باسمه "الشرف".
حالات وأرقام
"رفيدة قعود" -17 عاما- فتاة فلسطينية اغتصبها شقيقاها فانطوت على نفسها تكتم ألم ما أصابها، إلا أنه بعد أشهر نما في أحشائها ثمرة الاغتصاب؛ فما كان من الأم إلا أن أصرت على التخلص من عارها أمام رفض الأب القاطع وأمام رفض الفتاة الانتحار بمحض إرادتها، وفي النهاية أسدل الستار على قتلها باسم "الشرف".
وربما لن يكون آخر هذه الجرائم مقتل الفلسطينيتين "ردينة" و"أماني شقيرات" ونجاة أختهما الثالثة على يد شقيقهما ماهر (30 عاما) في مدينة القدس، حيث اتضح في النهاية أن الجريمة حدثت على خلفية الوشاية وبسبب القيل والقال وأنهن بريئات.. ولا صحة للاتهامات التي نالت منهن.
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا مؤخرا عن أوضاع المرأة في الأراضي الفلسطينية، مؤكدا ازدياد جرائم القتل على خلفية الشرف، وذكر التقرير أن العام 2003 شهد 33 جريمة شرف، في حين أشارت الإحصائيات إلى أنه من مايو 2004 حتى مارس 2005 تم قتل 20 امرأة إضافة إلى نحو 15 حالة شروع بالقتل على نفس الخلفية.
وبيّن مركز "المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي" الذي يعنى برصد وتوثيق مثل هذا النوع من الجرائم أن نسبة جرائم القتل على خلفية ما يسمى بشرف العائلة ارتفعت بنسبة 12% خلال الأعوام القليلة الماضية، وشدد التقرير على أن هذه الأرقام بسيطة بجانب ما لم يتم تسجيله بشكل رسمي.
"فتش عن السبب" عنوان بحثت في ثناياه الكثير من الدراسات الاجتماعية والحقوقية المحلية والدولية ترصد دوافع هذه الظاهرة!! بعض الدراسات عزت ما يحدث نتيجة ضعف الوعي الديني لدى الجزء الأكبر من الناس حول كيفية معالجة الشريعة الإسلامية لقضايا المجتمع فيما ربطته أخرى بأنه شكل من أشكال العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات.
وفي نتيجة لأحد الأبحاث حول الظاهرة أشار إلى أن التفكك الأسري وانعدام الرقابة والمتابعة للأبناء يدفع لارتكاب بعض هذه الجرائم، إضافة إلى عدم تثقيف الأبناء الثقافة الجنسية المطلوبة والتي تجعلهم قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ.
الاحتلال هو السبب
ذهب الحقوقيون إلى أن النصوص القانونية التي تتعلق بعقوبة القتل على خلفية الشرف هي من أهم الأسباب التي تدفع للاستهانة بقتل المرأة.
ومن جانبها حملت منظمة العفو الدولية "الاحتلال الإسرائيلي" المسئولية وقالت المنظمة: إن تلك "المأساة" هي إحدى أبرز نتائج الضرر البالغ الناتج عن كل سلوكيات الاحتلال الإسرائيلي المدمرة، لنسيج المجتمع الفلسطيني، كما طالبت المنظمة بوجود أولوية لـ"تغيير العقلية التقليدية الفلسطينية" التي ترى أنها ترفض الإصلاحات عندما تأتي من الخارج.
وتشبه "العفو الدولية" ما يحدث بالخلل الاجتماعي الذي يعصف بالمجتمع الفلسطيني عصفا، وطالبت الجميع بالتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
قوانين وضعية.. لا تصلح
وجهت أصابع الاتهام إلى قانون العقوبات الأردني لعام 1960 والذي ما زال معمولا به في فلسطين حتى اللحظة، وتترك مادة هذا القانون الباب مفتوحا أمام العذر المخفف والعذر المحلل وتعطي الحق للسلطة التقديرية عند تطبيق الحكم على القاتل في كل قضية بالسجن لمدة لا تتجاوز بكل الأحوال 3 سنوات.
يعلق الخبير القانوني الفلسطيني "فرج الغول" حول هذا القانون قائلا: "جميع النصوص القانونية لا تخلو من قصور وسلبيات فهي قوانين وضعية".
وأكد في حديثه لشبكة "إسلام أون لاين.نت" أنه تم طرح تعديل قانون العقوبات على المجلس التشريعي، إلا أنه استدرك موضحا: "ولكن هذا لن يحل الإشكالية؛ فليس المطلوب تغييرا مرحليا أو آنيا، القانون بحاجة إلى تغيير جذري".
وشدد مضيفا: "تغيير القانون بصورة ترضي الجميع وتكفل حق المرأة والرجل وتجعلهم سواسية أمام القضاء بحيث لا يُظلم أي طرف يحتاج إلى العمل بالقانون وفق ما يمليه ويحدده الشرع؛ فالقوانين الوضعية غيبت الشرع الحنيف في قضايا العقوبات والجرائم؛ وهو ما أوجد آثار الخلل والفوضى في حياة الناس".
وفيما يتعلق بتطبيق الحكم على القاتل بالسجن لمدة لا تتجاوز 3 سنوات قال: "لا يتم الحكم 3 سنوات إلا لمن ثبتت عليه الأدلة والبيانات أنه قام بالجريمة على خلفية شرف، بينما لو استدل القاضي على أن الجريمة كانت بهدف القتل فيطبق عليه قانون العقوبات العادي إما الإعدام أو الحكم مدى الحياة، أي أن الحكم لا يتم إلا من خلال الأدلة". غير أن الغول استدرك: "ولكن هذا لا يعطي مبررا لأن يتم العمل بهذه القانونية الوضعية، يجب الاحتكام إلى قانون يكفل لكل طرف حقه وهذا القانون موجود بين أيدينا وأمرنا الله عز وجل به؛ فلنحتكم إليه".
هنا العلاج
كيف عالج الإسلام هذا النوع من الجرائم؟ أجاب أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بغزة "الدكتور ماهر السوسي" قائلا: "الشرع بريء من كل من يقتل باسم الشرف؛ فالقاتل لا عذر له أمام الله".
وأكد "السوسي" أن القتل باسم الشرف محرم وغير جائز بالإسلام، موضحا أن أغلب الجرائم تحدث على خلفية عصبية لا دينية. وتابع: "رجل قتل ابنته لأن أحدا ما اغتصبها، ما ذنبها أن تقتل وهي ضحية اعتداء؟ لقد بيّن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أن الإكراه لا حكم عليه فقال: "رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
وأوضح "السوسي" أن الإسلام صان عرض الإنسان وشرع القوانين التي تحافظ عليه، موضحا أن الشرع حرم جرائم الشرف واعتبرها جرائم خطيرة تؤثر على المجتمع والأفراد وتخل بمنظومة القيم التي تعتبر من أهم الروابط للتكافل الاجتماعي.
وشدد على أن الإسلام شرع لكل جريمة ما يناسبها من مواصفات؛ فجريمة الزنا للمحصن تختلف عن غير المحصن وتختلف عن جريمة القذف، مؤكدا أن الإسلام ساوى في العقوبة بين المرأة والرجل وأنهما أمام الشرع سواسية.
ويستدرك موضحا: "هذه الجرائم وضع لها الإسلام شروطا صارمة حتى يطبق عليها الحد؛ فهناك مواصفات يجب أن تتوفر في الجاني وفي المجني عليه وفي الشهود".
وأشار إلى أنه لا يجوز لأي إنسان أن يأخذ القانون بيده، وقال: "ليس كل زان يعتبر زانيا أو كل سارق تُقطع يده، كل جريمة لها مواصفات وشروط وضعها الإسلام إذا انطبقت عليها تم معالجتها وتنفيذ الحكم فيها وفق ما يحدده الشرع لا وفق ما تحدده أهواء الناس وعصبيتهم وسلوكهم الاجتماعي؛ فهناك قواعد شرعية يتم على أساسها بناء الأحكام الشرعية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق